بيان للحقيقة من مثقفين وسياسيين علويين. استنكارا للدعوة إلى الاستفتاء وتقرير المصير، ونداء لمعالجة وطنية فورية للجرح "العلوي" النازف الآن في الساحل السوري وحمص


انطلاقًا من التزامنا الثابت بوحدة سوريا وسيادتها، وتمسكنا بمشروع الدولة الوطنية المدنية العادلة، وخشيتنا على مآل المرحلة الانتقالية الآمنة لكل الوطن السوري، نطلقُ نحن، مجموعة من الناشطين والمثقفين والسياسيين من أبناء الطائفة العلوية بالنسب والولادة، ومن أبناء الوطن السوري بالانتساب والولاء والهوية، هذا البيان.

لطالما كنا نفضّل أن نصدر خطاباتنا ومواقفنا وأفعالنا تحت عنوان المواطنة السورية فقط، غير أن حساسية هذه اللحظة ومخاطرها البالغة، وشعورنا بضرورة تحمل المسؤوليات التاريخية من دون مواربة أو طهرانية كاذبة أو تعالٍ على الواقع المعقد، مع تأكيدنا عدمَ ادّعاء تمثيل "الطائفة"، بقدر ما نمثل خطاً وطنياً كبيراً فيها يدافع عن مشروع بناء الدولة، كل ذلك فرض علينا مقاربة شفافة حاسمة نعلن عبرها الآتي:

1- نرفض بشكل قاطع كل ما ورد أو يرد من بيانات تدعو إلى تشكيل لجانٍ دوليةٍ لإجراء استفتاء على تقرير مصير الساحل السوري، فهي دعوة نراها تقويضًا صريحًا لوحدة الدولة السورية، وتهديدًا خطيرًا للبنية الوطنية الجامعة، ومخالفةً لمبدأ السيادة الوطنية، وخروجًا على مفهوم المواطنة المتساوية الذي نناضل جميعًا من أجله.

2- نستهجن ما صدرعن بعض الشخصيات الدينية من مطالبات بإصدارعفوعام، تُغفل بشكل فجّ حق الضحايا في العدالة والمحاسبة، وتُمثل تجاوزًا خطيرًا على صلاحيات الدولة ومؤسساتها القضائية، وتُكرّس خلطًا مرفوضًا بين المجال الديني والسياسي. إن هذه المطالبات، وإنْ تراجعت عنها بعض الجهات لاحقًا، إنّما صدرت بإيعاز من قوىً معزولةٍ عن الواقع الوطني، وغيرِ معنية بحساسية المرحلة، ولا بمعاناة السوريين الذين دفعوا أثمانًا باهظة من دمائهم وكرامتهم.

3- نرفض كذلك أيّة دعوات صادرة عن أفراد لهم مطامعهم الشخصية أو أدوارهم التي لا تعنيها أوجاع الناس ومصالحهم الحقيقية، فاستغلوا موقعهم الديني أو الاجتماعي للتلاعب بمصير بيئاتهم القلقة بعد سقوط النظام البائد للمطالبة بحماية أجنبية، سواء فرنسية أو إسرائيلية، وهي طروحات خطيرة تمسّ بالسيادة السورية، وتُغذي سرديات استعمارية وتقسيمية بالية لم يتوقف توظيفها واستثمارها المشبوه منذ عقود.

إن التلويح بمثل هذه الطروحات يُقدّم ذرائع جاهزة لمشاريع دولية وإقليمية تسعى لإعادة إنتاج خرائط تفتيتية في المنطقة، ويُوظّف معاناة مجموعات وطنية بعينها لتفخيخ مسار التحول السياسي المنتظر.

لقد تعرّض أبناء الطائفة العلوية، خلال الأشهر الماضية، لانتهاكات جسيمة طالت حياتهم ومعيشتهم وكرامتهم، شملت الاعتقال التعسفي والخطف والقتل والحصار والتجويع، إضافة إلى تسريح تعسفي لأكثر من خمسة عشر ألف موظف، دون أي تعويض أو حماية اجتماعية.

إننا لا نبرر أي تمرد أو خروج على مشروع الدولة قيد البناء، ولكننا نُذكّر بأن السياسات الإقصائية، والتمييز القائم على الهوية، والحرمان شبه الممنهج، كانت جميعها عوامل دفعت بعض الفئات المحاصَرة نحو خيارات مأزومة، اعتُبرت -خطأً- مخرجًا مؤقتًا من الجوع والإهانة.

إن محاولات قوى هامشية استغلال هذا الظرف الإنساني الصعب لتمرير أجندات انفصالية أو فيدرالية على أسس طائفية تمثّل خيانة لمبادئ الدولة الوطنية، وتُكرّس سردية (المكوّنات أو الجماعات الاهلية) على حساب وحدة المجتمع السوري. ولهذا نؤكد أن الطائفة العلوية ليست مشروعًا انعزاليًا، بل هي جزء أصيل من النسيج الوطني، وتاريخها السياسي والثقافي يؤكد تمسّكها المستمر بفكرة الدولة الجامعة لا الكيان الجزئي.

لكننا نذكر أن العصابة البائدة قد عملت على نحو منهجي طوال عقود طويلة على تفكيك بنية الطائفة العلوية لسلب إرادتها، وتزييف تمثيلها، فلا وجود لمجتمع مدني أو أهلي متماسك عندها، أو منظمات مجتمع مدني عاملة وفاعلة كما في المناطق السورية الأخرى، فالعلويون في واقع الحال، ليس لديهم سوى مرجعية واحدة هي الدولة وسياساتها وقراراتها، ويحتاجون إلى احتضانها لهم معيشياً ومؤسساتياً، فحِفْظُ كرامتِهم ومستقبل أبنائهم هو من حِفْظِ كرامة الوطن السوري كله.

وبناءً على ماسبق، فإننا نطالب القيادة السورية الانتقالية، والمؤسسات المنبثقة عن المرحلة السياسية الراهنة، بما يلي:

1- إعلان الساحل السوري، وخاصة مناطقه الريفية، منطقة منكوبة، تستدعي استجابة إنسانية عاجلة من الدولة وشركائها الدوليين.


2- الوقف الفوري لكافة أشكال التمييز والاضطهاد والإقصاء على خلفية الانتماء، واتخاذ تدابير إنصاف شاملة، تشمل إعادة النظر في الوضع المعيشي لعائلات المفصولين من أعمالهم.


3- سحب المجموعات المسلحة غير المنضبطة من كامل مناطق الساحل، وتكليف مؤسسات أمنية رسمية منضبطة بحماية السكان ضمن إطار القانون وتحت رقابة مدنية، وبمشاركة محلية وأهلية حقيقية بالتنسيق مع الجهات المسؤولة .


4- إطلاق مسار عدالة انتقالية وطني، مستقل وشامل، يُنصف جميع الضحايا، ويُحاسب كل من تورّط في جرائم ضد السوريين منذ بدء الثورة السورية، بغض النظر عن موقعه أو انتمائه، ومحاسبة المتورطين في جرائم الساحل محاسبة فورية وشفافة وعادلة.


5- إصدار موقف ديني وطني واضح من أعلى المرجعيات الدينية في الجمهورية، يُدين استهداف أي جماعة اهلية سورية (طائفة أو اثنية)، ويحرّم التحريض الطائفي والعرقي والعنصري ويجرّمه.

 

إننا نؤكد أن مشروعنا هو دولة المواطنة المتساوية، لا دولة الطوائف أو الأقليات أو الأكثريات. دولة تضمن الحقوق على قاعدة الفرد لا الجماعة، وترتكز إلى دستور مدني، وقضاء مستقل، وعدالة شاملة، وسلطة خاضعة للمساءلة. ونرفض بالمطلق أي حلول تقوم على تقاسم السلطة على أساس المحاصصات الطائفية أو الهويات ما قبل الوطنية.

ختامًا، نوجه دعوة لكل سوري وسورية، ممن يؤمنون بسوريا دولة مدنية عادلة، إلى الانضمام لهذا الموقف، وتأكيد التزامنا المشترك بأن الخلاص لن يكون إلا سوريًا، ووطنيًا، وجامعًا.

عاشت سورية حرةً موحَّدةً لجميع أبنائها.

التوقيع:


 


محمد صالح، فراس سعد، طالب العلي    تواصل مع كاتب العريضة

التوقيع على هذه العريضة

من خلال التوقيع، أقبل بأن يكون محمد صالح، فراس سعد، طالب العلي قادرًا على رؤية جميع المعلومات التي أقدمها في هذا النموذج.


نحن بحاجة إلى التحقق من أنك إنسان.

أعطي موافقتي على معالجة المعلومات التي أقدمها في هذا النموذج للأغراض التالية:




إعلان مدفوع

سنقوم بالإعلان عن هذه العريضة لـ3000 شخص.

اعرف المزيد...